من الذاكرة الوطنيةما بعد هزيمة جوان 67 وشعارات -لا صلح، لا مهادنة ولا مفاوضة- |
نواصل استعراض فحوى بيان الحكومة التونسية على اثر انسحاب مندوبها من اجتماعات جامعة الدول العربية في سبتمبر 68 بالقاهرة. |
ويبدو واضحا أن الزعيم الحبيب بورقيبة كان يرمي إلى تأليب الرأي العام في تونس وسائر الأقطار العربية على الزعيم جمال عبد الناصر ليكفّ عن الترويج للقومية العربية التي كانت حسب الزعيم الحبيب بورقيبة سبب الارتطام في حرب لم يقع الاستعداد لها أدت إلى تنازلات لم تكن اسرائيل لتحلم بها قبل 5 جوان 67. في بيان الحكومة التونسية -ان الذين اشترعوا وانفردوا بقرارات ما قبل جوان 67 عليهم أن يتحملوا وحدهم مسؤولية الخروج من الورطة، كلفهم ذلك ما كلفهم، وبذلك نصل إلى هذا التشخيص الأول للداء الذي ينخر علاقات الدول العربية بعضها ببعض وهو انخرام الثقة التي انبنت عليها تلك العلاقات يوم أنشئت الجامعة العربية وأريد بها أن تكون مؤسسة تجمع حقا بين كافة الدول على أساس الثقة المتبادلة والتضامن النزيه والتناصر في السراء والضراء والاحترام المتبادل. فكل ما حدث بين الدول العربية من مشاكل وكل ما فرّق أحيانا كثيرة بينها وجعلها لا تسير في اتجاهات متآلفة، إنما سببه انعدام الثقة وما أصبحت معظم الدول تسرّه من احتراز وحيطة وانكماش تجاه صيغ معينة من العمل الجماعي. ميثاق الجامعة العربية: وهذا راجع إلى الوضع الذي نجم داخل الجامعة وخارجها على السواء منذ أن انخرمت قاعدة العمل الجماعي التي جاء بها ميثاق الجامعة والتي تقتضي أن يكون هذا العمل انطلاقا من مبدأ المساواة بين كل الدول الأعضاء باعتبارها دولا مستقلة ذات سيادة لا يلزم كل واحدة منها إلا ما تصادق عليه وترضاه من التزامات وواجبات وكذلك انطلاقا من مبدأ الاحترام المتبادل الذي نص عليه الميثاق إذ يقول بصريح العبارة: «تحترم كل دولة من الدول المشتركة في الجامعة نظام الحكم القائم في دول الجامعة وتعتبرها حقا من حقوق تلك الدول وتتعهد بأن لا تقوم بعمل يرمي إلى تغيير ذلك النظام». القومية العربية وبذلك حلت محل قاعدة المساواة والتعاون واحترام الأنظمة القائمة قاعدة أخرى مستمدّة من شبه مذهبية جديدة تقول بالقومية العربية. ومن أجل فقدان الثقة وخوف كل طرف من أن يعاب بالضعف والتساهل في حق القضايا العربية، وخاصة منها قضية فلسطين، لم يعد أحد يجرؤ على الاصداع بالحقيقة، وحلت محل الخطط السياسية المنطقية المزايدات اللفظية ودخلت الحكومات في دوامة السباق إلى المواقف الأكثر تطرفا والأكثر تصلبا والأكثر احتقارا لمقتضيات الأوضاع التي عليها الشعوب، حتى أفضى ذلك الى الارتطام في حرب لم يقع الاستعداد لها ولم يكن احد يملك الشجاعة الكافية للوقوف دونها بعدما كانت ابواق الدعاية تؤكد ان النصر سيكون فيها حليف العرب بلا ريب. بعد الهزيمة واستمرت هذه الحال بعد الهزيمة لأن الدول العربية التي يعنيها الأمر بالدرجة الأولى لا تقدر ان تصارح شعوبها بأنها كانت على خطأ وان عليها مراجعة مواقفها مراجعة جذرية لبناء خطة لا تكون مستمدة من أوهامها وأحلامها بل مطابقة لإمكانياتها الحقيقية وإنما لعجز الدول عن هذه المصارحة تواصل ارتماؤها في سياسة المحال، مرددة شعارات «لا صلح ولا مهادنة ولا مفاوضة: بينما العدو جاثم على أراضيها وهي لا تقدر على منازلته وليس في المجال الدولي بوادر تدل على استعداد قوة ما لارغامه وكسر شوكته. تنازلات ضخمة وأنكى ما في الأمر ان اللائحة التي قبلتها الدول العربية وتطالب بتطبيقها تحتوي على تنازلات ضخمة ما كانت إسرائيل لتحلم بها قبل حزيران 67، فقد تضمنت الاعتراف الفعلي بدولة إسرائيل لا في حدود 47 بل في الحدود التي كانت لها قبل 5 جوان 67، كما تضمنت الاعتراف بحقها في الملاحة لا بخليج العقبة فحسب بل في قنال السويس أيضا، كل ذلك مقابل جلاء رضي العرب سلفا بأن لا يشمل كافة الأراضي المحتلة أي مقابل الرجوع الى حالة أسوأ من التي كنا عليها قبل حزيران 67 ومن سخرية الأقدار أن هذه التنازلات بقيت رغم ذلك بدون مفعول، فلا إسرائيل لانت ولا الرأي العام الدولي قدر ما قدمناه في سبيل السلام وذلك بسبب تمسكنا بشعارات تبقي على ظاهر الكرامة اعتقادا منا أن الأهم هو اللفظ، اما مدلول اللفظ فيمكن التفاوض فيه والتنازل بشأنه إلى أبعد حد، ما دمنا لا نرغم على تسمية الأشياء بأسمائها |
6 novembre 2010
ما بعد هزيمة جوان 67 وشعارات -لا صلح، لا مهادنة ولا مفاوضة-
Inscription à :
Publier les commentaires (Atom)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire