عمق الصراع الدائر بليبيا منذ 17 فيفري 2011 من هشاشة الاقتصاد في تونس التي تسعى جاهدة للخروج من أزمة اقتصادية تعيشها منذ ثورة 14 جانفي وفق خبراء من البنك الافريقي للتنمية.
ويتوقع خبراء البنك، حسب تقرير تحليلي للأشهر الثلاثة الأولى من سنة 2011 بالنسبة لبلدان شمال افريقيا نشر بداية أوت 2011، تراجعا في معدل نمو الناتج الداخلي الخام في المنطقة بنسبة 4ر0 بالمائة ليصل إلى 7ر0 بالمائة بالنسبة لسنة 2011 مما سيدفع البنك إلى مراجعة توقعاته السابقة التي كانت في حدود 1ر1 بالمائة.
وأشار التقرير إلى أن تراجع الاستثمار الخاص في تونس من شأنه أن يقلص من نمو الناتج الداخلي الخام ب2ر0 نقطة مائوية والصادرات ايضا ب3ر0 نقطة.
ويتوقع البنك ان تتم تغطية هذا الانكماش بارتفاع الاستهلاك بنحو 1ر0 نقطة مائوية بفضل الطلب المتزايد للاجئين الليبيين الذين تتوفر لديهم إمكانيات مادية هامة.
ويحلل تقرير البنك الانعكاسات قصيرة المدى للصراع الدائر في ليبيا على الاقتصاد التونسي مشيرا إلى تأثر عديد القطاعات وخاصة قطاعات السياحة والصناعات المعملية (أساسا المؤسسات المصدرة). كما تراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة مما تسبب في تقلص عائدات الميزانية وتزايد معدل البطالة.
ومن أكثر المجالات تأثرا بالأزمة، أشار التقرير إلى تدفق الأموال وتراجع تحويلات التونسيين العاملين بالخارج وتقلص المبادلات التجارية في المناطق الحدودية.
كما يتعين على تونس البحث عن مصادر بديلة بهدف سد حاجياتها من المواد النفطية التي توردها سابقا من ليبيا. وتجري حاليا المفاوضات مع الجزائر لتوريد هذه المواد من هذا البلد وبنفس شروط التوريد من ليبيا.
وعلى المستوى الاجتماعي فان الصراع كانت له انعكاسات مباشرة على فئة معينة من المواطنين على غرار سكان المناطق الحدودية مع ليبيا والعائلات التي تأثرت من فقدان تحويلات التونسيين الذين كانوا يعملون بليبيا.
تراجعت المبادلات التجارية بين تونس وليبيا بشكل ملحوظ خلال الثلاثية الأولى من 2011 مقارنة بنفس الفترة من سنتي 2009 و2010. فقد انخفضت خلال الثلاثية المذكورة صادرات تونس نحو الجماهيرية ووارداتها منها على التوالي بنسبة 34 بالمائة و95 بالمائة. وتراجع التوريد بشكل حاد (مقارنة بالصادرات) جراء توقف إمدادات النفط الخام التي تمثل غالبية واردات تونس من ليبيا.
ويتوقع البنك الإفريقي للتنمية في "سيناريو متفائل" استمرار انخفاض الصادرات التونسية نحو ليبيا (خلال بقية 2011) بنفس النسق المسجل خلال الثلاثية الأولى من 2011. ولم يستبعد البنك في سيناريو ثان "متشائم" توقف حركة التصدير نحو ليبيا بشكل كامل.
ويتوقع البنك أن يتكبد الاقتصاد الوطني خلال كامل سنة 2011 خسائر بحوالي 375 مليون دينار في صورة استمرار انخفاض الصادرات نحو ليبيا وبحوالي 886 مليون دينار في صورة توقف الصادرات بالكامل.
وبنى البنك تقديراته انطلاقا من الإيرادات المالية الجملية للصادرات التونسية إلى ليبيا خلال العام الماضي "حوالي 1050 مليون دينار".
السياحة وخدمات أخرى
أشار تقرير البنك إلى التأثيرات السلبية للحرب الدائرة في ليبيا على قطاع السياحة التونسي وخاصة السياحة الاستشفائية (المصحات الخاصة) وبالتالي على التشغيل.
وذكر بأن السياح الليبيين أنفقوا في تونس خلال 2010 حوالي 890 مليون دينار أي ما يعادل 18 بالمائة من المداخيل الجملية لقطاع السياحة التونسي. ودخل تونس إلى غاية موفى شهر افريل 2011 حوالي 260 ألف ليبي أي ما يعادل 14 بالمائة من مجموع السياح الليبيين الذين زاروا تونس خلال كامل سنة 2010.
وتوقع البنك أن تتكبد السياحة التونسية إن توقف خلال ما تبقى من 2011 وبشكل كامل توافد الليبيين على تونس خسائر مالية بحوالي 750 مليون دينار أي ما يعادل نسبة 86 بالمائة مما أنفقه السياح الليبيون في تونس خلال 2010.
وأضاف التقرير أن 65 ألف لاجئ ليبي يعتزمون البقاء في الوقت الراهن في تونس أي ما يمثل نسبة 40 بالمائة من الوافدين الليبيين على تونس خلال نفس الفترة من 2010.
ولفت البنك إلى أن توافد اللاجئين الليبيين بشكل مكثف على تونس يمكن أن ينعش الطلب في تونس ويحفز الاستهلاك بما يساهم في تعويض الخسائر المالية الناجمة خاصة عن تراجع المبادلات التجارية بين البلدين.
تحويلات المهاجرين
توقع تقرير البنك أن تؤثر عودة المهاجرين التونسيين بليبيا إلى بلادهم في حجم تحويلاتهم المالية نحو تونس والتي بلغت 50 مليون دينار سنة 2009 وكان من المتوقع ان تبلغ 125 مليون دينار سنة 2011.
وذكرت منظمة العمل الدولية أن أكثر من 41 ألفا من أصل 92 ألف تونسي يعملون في ليبيا عادوا إلى تونس منذ اندلاع الحرب في الجماهيرية في فيفري الماضي.
وأشار البنك إلى ضغط العمال العائدين على سوق التشغيل في تونس. وقدر حجم الخسائر الناجمة عن توقف التحويلات المالية للمهاجرين التونسيين بليبيا وعودتهم الى تونس بحوالي 145 مليون دينار منها 20 مليون دينار تكاليف برنامج المساعدة الاجتماعية الذي أقرته الحكومة المؤقتة لفائدة العمال العائدين.
التحويلات البنكية من العملة
وقد كان للازمة الليبية تأثيرا ايجابيا على مستوى العمليات البنكية باعتبار ان التحويلات البنكية المباشرة وفي شكل سيولة مكنت من تغطية النقص المسجل على مستوى وثائق الاعتماد.
فقد ارتفع مستوى التحويلات التي قامت بها البنوك الليبية الى تونس خلال الثلاثية الأولى من السنة الحالية والذي تم تسجيه بالخصوص في حسابات بنوك تونسية ليبية على غرار البنك الدولي لافريقيا الشمالية والبنك التونسي الليبي...
وبلغت هذه التحويلات حوالي 180 مليون يورو أي بارتفاع بنسبة 20 بالمائة بالنسبة للتحويلات المباشرة وبنسبة 200 بالمائة بالنسبة للتحويلات في شكل سيولة وذلك مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية.