إلى نوري بوزيد.. «اسكت... عيب» ـ
أحيانا يحار المرء في فهم بعض «الأشياء» والتصريحات وردها الى أسبابها الحقيقية خاصة عندما تصدر هذه «الأشياء» عن فنانين ومبدعين لم يعودوا الجمهور والنقاد والساحة الفنية والثقافية الا بالعمل والانتاجات «النوعية» - بصرف النظر عن طبيعة هذه الانتاجات والموقف منها ومن مضامينها الفكرية -...
والبائس والجبان في مختلف تجلياته السياسية والعاطفية والاجتماعية... فهو ( نوري بوزيد ) يعد - وبحق - مع كل من فريد بوغدير ومفيدة التلاتلي - وقبل ثلاثتهم - رضا الباهي وعبد اللطيف بن عمار من الذين «انتقلوا» بالسينما التونسية من طور «الكاراكوز» والفلكلورية والعكاظيات السينمائية على مستوى الخطاب وحتى على مستوى الصورة في مضمونها وابعادها ودلالاتها إلى طور «النضج» الفني والشجاعة والجرأة على جميع المستويات خطابا وصورة وأبعادا ومدلولات جمالية نفسية وثقافية وحضارية...
ولأن الرائج و«المتعارف» عليه أن النوري بوزيد مثل لفترة من الزمن - على الأقل - ذلك الوجه الأول لعملة سينمائية تونسية جديدة لامعة وجذابة «صكت» في مخابر المنتج الراحل أحمد بهاء الدين عطية... «عملة» لم يكن وجهها الأول سوى زميله المخرج المتميز فريد بوغديرصاحب شريط «عصفور سطح» الشهير وشريط «صيف حلق الوادي»... فانه بدا مفاجئا وغريبا حقا ذلك «الاتهام» الذي وجهه نوري بوزيد مؤخرا للمخرج فريد بوغديروالذي مفاده أن هذا الأخير ( فريد بوغدير ) هو الذي أجهض مشروع فيلمه «اسكت، عيب» الذي كان ينوي انتاجه بعد شريط «آخر فيلم»... اجهاضه من خلال رفض منحه الدعم من طرف سلطة الاشراف... - على اعتبار أن فريد بوغدير هو أحد أعضاء لجنة الدعم على الانتاج السينمائي -...
طبعا سوف لن نشكك في ما قاله نوري بوزيد في زميله فريد بوغدير بخصوص فيلم «اسكت، عيب» المجهض لأننا لا نعتقد أن نوري بوزيد كان ينطلق من فراغ وهو يوجه هذا الاتهام «الخطير» الى زميله فريد بوغدير... ولكننا سنحاول أن نفهم دلالات هذا «الانقلاب» البوغديري على سينما نوري بوزيد... نقول سينما نوري بوزيد لأن فيلم «اسكت، عيب» موضوع الاتهام لم يكن على مستوى المضمون والصورة سوى مشروع مقاربة سينمائية «بوزيدية» جريئة واستفزازية كالعادة لموضوع الحرية الشخصية والجنسية في حياة الفتاة والمرأة التونسية... وهو فيلم لو كتب له أن يرى النور لأثار ضجة - لا فقط - سينمائية بل وحتى ثقافية ربما...
على أن السؤال الجوهري - هنا - يبقى : لماذا اعترض فريد بوغدير على مشروع سيناريو فيلم «اسكت، عيب» لنوري بوزيد ؟
هل أصبح فريد بوغدير انسانا «محافظا» - وهوالسينمائي الذي اشتهرت أفلامه بأنها ذات خطاب تحرري وليبرالي على جميع المستويات ؟ -
على أن اللافت - هنا - أن نوري بوزيد وفيما يشبه النكاية في زميله فريد بوغدير قرر أن يكون موضوع فيلمه الجديد «ميلفاي» الذي حصل رسميا على منحة الدعم لانتاجه وسيشرع في تصويره قريبا على علاقة بمسألة أو «تابو» البكارة في حياة الفتاة التونسية... لا بل أكثر من ذلك... لقد زاد نوري بوزيد وصرح لوسيلة اعلام بتقييم لا يلزم الا شخصه عن المرأة التونسية تجاوز فيه الجرأة الى المغالطة.
طبعا ليس مهما التعليق على كلام و»شطحات» نوري بوزيد هذه... الأهم هنا أن نقول - وبعيدا عن أي محاولة للانتصار لفريد بوغدير في «معركته» مع نوري بوزيد - أن فريد بوغدير وهو يعترض على مشروع سيناريو فيلم «اسكت، عيب» لنوري بوزيد لا نحسب أنه كان ينطلق في اعتراضه من دوافع «أخلاقوية» محافظة وانما كان يريد - ربما - أن يبعث برسالة قوية وواضحة لزميله نوري بوزيد مفادها أن كف عن اللهث وراء الاثارة الايديولوجية وعد الى الاشتغال على الأفلام الجميلة والعميقة سينمائيا التي عرفك بها الجمهور التونسي مثل فيلم «صفائح ذهب» وفيلم «عرائس الطين» ودعك من خطاب الاثارة والمراهقة السياسية والايديولوجية...
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire