الموقف الأمريكي، إذن، لم يكن يهدف إلى تعطيل القرار بقدر ما هو موقف مبدئي ليسجل التاريخ أن الولايات المتحدة لم تحد عن مساندتها المطلقة واللامشروطة لمظالم الصهيونية حتى وإن أعدمت «السلام»، بل حتى وإن كان موقفها هذا لا يغير في القرار من شيء.
والملفت للانتباه في هذا الموقف، هو أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما والرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، هما الشخصان الوحيدان الحائزان على جائزة نوبل للسلام واللذان يضطلعان حاليا برئاسة دولتيهما. وتأييد الأول للثاني، وإن كان منتظرا، لا يزيد إلا تشكيكا في مفهوم <السلام» في عصرنا هذا، كما يزيد تشكيكا في قيمة جائزة نوبل للسلام وفي مغزاها.
فأما مفهوم السلام فهو سلام الأقوى وسلام المصالح الآنية وخاصة منها الاقتصادية، ولا حرج إن أدى إلى ليّ عنق المنطق وإلى إزهاق أرواح الأبرياء وأصحاب الحقوق.
وأما عن جائزة نوبل للسلام فلقد أراد بها باعثها ألفريد نوبل التكفير عن ذنبه وإرضاء ضميره بعد اختراعه لمادة «الديناميت» الفتاكة على أن يجازى بها أكثر الفاعلين على الساحة الدولية ضد استعمالها واستعمال مثيلاتها من المواد القاتلة والأسلحة المدمرة. وكأني به اليوم يتقلب في قبره من شدة الألم عندما يلاحظ أن الجائزة الحاملة لاسمه والتي تسند في ذكرى وفاته من كل سنة يحملها في هذا العصر قاتل المنادين للسلام ومسانده.
لقد سبق للهيئة المكلفة بإسناد جائزة نوبل أن اجتهدت في اختيارها لمستحقيها. من ذلك مثلا اجتهادها في منح الجائزة لمجموعة من الأشخاص وليس لشخص واحد، أو لمؤسسات وجمعيات بدلا عن الأشخاص، أو حتى لشخص بعد وفاته مثل داغ همرشولد سنة 1961. كل هذه الاجتهادات كانت صائبة و لقيت استحسان الملاحظين السياسيين. لكن اجتهادا مثل الذي حصل في السنة الأخيرة بمنح الجائزة لشخص لمجرد إعلانه عن نوايا سلمية فهذا ما سيجعل الهيئة في حرج إن هو ذهب في ممارساته الفعلية في اتجاه معاكس للنوايا المعلنة.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire