اصلاح الصناديق الاجتماعية في عيون خبراء الاقتصاد
أي انعكاس للترفيع في سن التقاعد على فرص التشغيل؟قد ترتكز المقترحات الحكومية لإصلاح انظمة التقاعد في تونس أساسا على الترفيع في سن التقاعد بصفة تدريجية لتكون في حدود 62 عاما كمرحلة أولى ثم ترتفع تدريجيا إلى 65 عاما للتمديد في فترة المساهمة التي يقوم عليها نظام الضمان الاجتماعي.
الصباح» توجهت بهذا التساؤل إلى خبراء في الاقتصاد وفي قانون الشغل الذين أجمعوا على ان الترفيع في سن التقاعد سيكون له ايجابيات منها الحفاظ على الكفاءات التي تصل مرحلة النضج والخبرة والمهارة على أعتاب الستين عاما. وخلق مواطن شغل اضافية. مشيرين أن زيادة سن التقاعد ليس له علاقة بالتشغيل، باعتباره سوقا متحركا يخضع إلى ديناميكية إذ ترتفع طلبات السوق وتنخفض حسب جدوى الآليات المتخذة لتدعيم السوق وخلق مواطن شغل.
يؤكد السيد يونس غجاتي الخبير في قانون الشغل في هذا الاتجاه أن تأثير الترفيع في سن التقاعد سيكون له انعكاسات ايجابية. وذلك لعدة اسباب، منها أن االإطارات تكون في عز العطاء في حدود 60 سنة وهو ما يساعد على تلاقح الأجيال وتأطير الكفاءات حديثي العهد بالشغل.
ونفى الخبير وجود علاقة مباشرة بين الترفيع في سن التقاعد والتشغيل، فالتشغيل مرتبط بالنمو بصفة عامة. وقال بأن التشغيل يرتبط بنمو المؤسسات الذي عادة ما يكون مدفوعا بارتفاع نسبة التأطير باعتباره ينمي قدرات المؤسسة التنافسية ويرفع إنتاجيتها ويحسن مردودية الموارد البشرية، وبالتالي فإن ارتفاع نسبة التأطير له انعكاس ايجابي على سوق الشغل.
ومن حيث التوازنات المالية للصناديق الاجتماعية أشار غجاتي إلى أن كل ما زادت سنوات العمل زادت نسبة المساهمات المالية حسب الأجور المصرح بها التي ترتفع كلما ازدادت أقدمية العامل او الإطار بمؤسسة مينة. وهو ما ينعكس إيجابا على التحولات الاجتماعية وبالتالي على خدمات التأمين على المرض والرعاية الصحية.
وترى الجامعية صابرين مناعي المختصة في التشريع الاجتماعي أن «علاقة تحديد سن التقاعد أو التمديد فيه وآفاق التشغيل لا تعد عضوية باعتبار تشعب العوامل وتداخلها.» مضيفة أن «سوق الشغل متحولة ومتشعبة المكونات التي تحكمها ومنها بالخصوص نسق النمو الاقتصادي المرتبط أساسا بالاستثمار وحوافزه، سياسات النهوض بالتشغيل واستهداف القطاعات الواعدة انطلاقا من تكوين الموارد البشرية، وتهيئة التشريع والموازنة بين المصلحة العامة ومصلحة المؤسسة.»
وتقول السيدة مناعي أن «التمديد في سن التقاعد أملاه واقع الخيارات التعليمية والمهنية بحيث أصبح الالتحاق بسوق الشغل متأخرا نسبيا وبالتالي لم يعد بالامكان افتتاح الحق في جراية مريحة منذ 60 سنة».
كما ترى أن تطور مؤمل الحياة في تونس المقدر حاليا ب75 سنة يعد المرجع الرئيسي لفهم ضرورة إصلاح أنظمة التقاعد، إذ لم تعد سنة الستين حسب اعتقادها مرادفا للتهرم «بل إن كل شخص بلغ هذا العمر يزداد عطاؤه وتبلغ خبرته المهنية النضج وهو ما يساهم في التأطير الأمثل لتجديد الموارد البشرية للمؤسسة حتى يكون المنتمون الجدد قادرين على أخذ المشعل ومواصلة المؤسسة لنشاطها مما يضمن سلامتها وديمومتها وبالتالي ديمومة مواطن الشغل فيها.»
أما السيد حاتم الورتتاني الجامعي والمختص في الديمغرافيا فيرى أن السن الحالية للإحالة على التقاعد غير متناغمة مع حاجيات وضغوطات سوق الشغل باعتبار تطور مؤمل الحياة، الذي يكون دافعا للمحالين على التقاعد لمواصلة ممارسة أنشطة مهنية غالبا ما تكون خارج النظم القانونية مما يجعل آليات المراقبة الاجتماعية لسوق الشغل عسيرة إن لم تكن عديمة الجدوى ومستحيلة. على حد تعبيره.
بل أكثر من ذلك، «فالعلاقة بين التمديد ومسألة التشغيل تظل واهية»، حسب قوله. مضيفا بأن «سوق الشغل تحكمها قواعد العرض والطلب والدور التعديلي للدولة يظل الفاصل بالنسبة للأهلية المهنية لطالب الشغل وبالتالي فعامل السن يكاد يكون ثانويا في احتساب اهلية الشخص المقبل على الشغل. باعتبار ان سن 60 سنة لم يعد المرجعي لقياس أهلية مساهمة الشخص في علاقات الانتاج.»
ويوضح الخبير بأن التمديد في سن التقاعد يخول تقديم مساهمة نوعية خاصة في خضم التحولات العميقة التي يشهدها سوق الشغل التي جاءت من التحولات التكنولوجية والرقمية التي تؤثر على الكفاءة حتى تكون مساهمة الشخص في الاقتصاد اللامادي مجدية كمسألة العمل عن بعد.
بدوره يقول السيد محمد الفريوي الجامعي والخبير في الاقتصاد ان المتأمل في المؤشرات المعتمدة لأمل الحياة عند الولادة بلغ في تونس 75 سنة بينما كان في الماضي اقل بكثير، وذلك بفضل التقدم العلمي وتحسن نوعية الحياة، وتساءل: «لماذا لا يواصل العامل العمل لسنوات أخرى باعتبار أن اكتساب الخبرة وتراكم المعلومات وتثمين المهارات يعطي الإنسان ملكة استنباط أوسع وطاقة تنفيذ أجدى، وامكانية تأقلم اسرع لذلك؟».
ويجزم الفريوي بأن الترفيع في سن التقاعد «يعد خيارا نافعا للمجموعة الوطنية للانتفاع بخدمات الذين يبلغون هذا السن لأن كفاءتهم تمكنهم من استغلال طاقاتهم من خلال التأطير والتوجيه، وفتح الآفاق، واستنباط الوسائل الجديدة، والبحث في امكانيات واعدة للابتكار والتجديد لمساندة الجيل الصاعد. وهم بذلك يساهمون في خلق مواطن شغل جديدة وانتهاج سبل من شأنها أن تعين الشباب. فلا يمكن اعتبار وجود هؤلاء بنقص طاقة استيعاب المشتغلين الجدد لعدة اعتبارات منها حركية الاقتصاد التي تفرض تغيير الوسائل والأنشطة وبروز مهن جديدة وتعدد الخدمات، واستعمال التكنولوجيات الحديثة، واقتصاد المعرفة يفتح الباب أمام الشباب والطاقات الفاعلة للانتفاع به.»
ويؤكد القريوي بأن «المعادلة بين النقص في الطاقة التشغيلية من مكوث المتقاعدين يعوضه وزيادة- الاستعمال الأمثل لطاقاتهم لتوسيع الأنشطة وتوجيهها نحو الاضافة باعتبار سرعة التأقلم، تثمين المهارة، الانتفاع بالانتاجية، السيطرة على الكلفة والاستثمار في التجديد والبحث.»
وفي نفس الاتجاه يؤكد السيد الهادي المشري الخبير الاقتصادي ومدير مجلة « Léconomiste» أن التمديد في سن العمل القانونية لا علاقة له بتقليص مواطن الشغل، على اعتبار ان سوق الشغل متحركة وسترتكز مستقبلا على جودة الموارد البشرية المختصة المتوفرة ومستوى تكونها وهو ما يتوفر حاليا في سوقنا الوطنية، مشيرا أن التجربة أثبتت أن خبرة الكفاءات تزداد عمقا في حدود الستين عاما وبالتالي يمكن الاستفادة منها لتأطير الداخلين حديثا لسوق الشغل وخلق قيمة مضافة للمؤسسة. لا سيما ان عنصر الكفاءة محدد رئيسي في ديناميكية سوق الشغل وعامل مهم في توفير فرص التشغيل.
أما اتحاد الشغل فله موقف واضح وصريح من إصلاح أنظمة التقاعد إذ تقر هياكله المتخصصة بأن الإصلاح قادم لكنها تؤكد على أن الأهم هو البحث في العوامل التي أدت إلى عجز الصناديق الاجتماعية، وهو ما أكده السيد رضا بوزريبة الأمين العام المساعد الذي أكد على أن كل اجراء يتخذ لاصلاح أنظمة التقاعد لا يمكن أن يكون ناجعا ما لم ينطلق من معالجة العوامل الحقيقية للأزمة المتمثلة أساسا في مسألة البطالة والعلاقات الشغيلة.
ويضيف بوزريبة بأن « الترفيع في سن التقاعد سيؤثر حتما على نسبة البطالة». وقال إن الترفيع في سن التقاعد سيضيف سنة عطالة للباحثين عن عمل. مشيرا أن فكرة التمديد في سن العمل في بلادنا ليست مجدية لأن التجارب الأوروبية ليست مرجعا لاختلاف المؤشرات الديمغرافية.
وقال « المهم هو أن نتفق على عوامل العجز، فالمفروض القاء نظرة شاملة وعميقة لأزمة الصناديق الاجتماعية». وأضاف قوله «نحن لسنا ضد تحديد سن معينة للتقاعد، بل مع ضمان مردودية اقتصادية واجتماعية أكثر للصناديق الاجتماعية.»
ويرى بوزريبة أن الحل لا يكمن في تمديد سن التقاعد القانونية بل في تحديد مدة العمل القانونية، أي اعتماد مدة عمل معينة تؤدي إلى حصول المتقاعد على جراية عادلة. على قاعدة «من يعمل أكثر يحصل على جراية أرفع»، مؤكدا أن التمديد في سن التقاعد سيكون له انعكاسات سلبية على التشغيل والصناديق وعلى جراية المتقاعد.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire