وبدا واضحا انه لم تكد العاصمة البرتغالية لشبونة تتنفس الصعداء وتبدا ازالة الحواجز الامنية و القيود التي حولتها الى ثكنة عسكرية وفرضت عليها حالة من الشلل على مدى ايام قمتي الحلف الاطلسي التي جمعت ثمان وعشرون من زعماء الحلف على ارضها و منها الى القمة الاوروبية الامريكية حتى وجدت نفسها تدخل في مواجهة اكبراضراب عام يهز البلاد منذ اثنين وعشرين عاما و تقع تحت مطرقة المعارضة التي باتت تطالب بتنظيم انتخابات جديدة
و بين سندان الغضب الشعبي المتفاقم بسبب تداعيات الازمة الاقتصادية الخانقة .و بذلك تودع الحكومة البرتغالية ضيوفها من كبار قادة العالم بعد اسبوع حافل باللقاءات والاجتماعات بشان مستقبل الحلف الاطلسي والازمة الاقتصادية الاوروبية و تدخل في مواجهة ملفاتها الداخلية العالقة التي باتت مصدر تهديد للحكومة الاشتراكية لرئيس الوزراء جوزيه سوكراتيس و ذلك قبل يوم على تصويت البرلمان البرتغالي على الاجراءات التقشفية التي تعتزم تبنيها للخروج من ازمتها الراهنة والتي تشمل تجميد مخصصات التقاعد والاجورفي القطاع العام .
و عشية الاضراب الشامل الذي عاشت البرتغال على وقعه طوال الامس شهدت مختلف شوارع العاصمة لشبونة استعدادات محمومة لتنظيم الاضراب العام الذي يشمل النقل والتعليم و الصحة حيث تحولت مختلف الشوارع و المباني الى صحف جدارية دعائية للحث على الاضراب و تحميل الحكومة المسؤولية في ذلك فيما افردت الصحف المحلية مساحات واسعة للحدث .
ولم تنقطع حتى وقت متاخر اول امس الاصوات المنبعثة من مكبرات الصوت للسيارات التي تجوب احياء العاصمة البرتغالية للتذكير بالاضراب ,و اختلطت الاستعدادات لانجاح اضراب النقابيين بالاستعدادات الاحتفالية لنهاية العام و تعانقت لائحة المطالب الاحتجاجية النقابية بالفوانيس والاضواء التي تزين المباني والاشجار.وبدا
و كان لشبونة التي تخلصت قبل وقت قصير من القيود و الحواجز الامنية و عمليات التفتيش التي فرضت في مختلف انحائها على موعد اخر لا يقل اهمية من الحدث المنقضي .
و فيما تسعى الاوساط الرسمية الى تبديد المخاوف و التقليل من شان الازمة الاقتصادية و المالية متعللة بان الدين العام الذي بلغ 86 بالمائة من اجمالي الناتج القومي اقل من الدين اليوناني الذي بلغ 124 بالمائة كما يذهب الاتحاد الاوروبي الى التاكيد بان البرتغال يسير على الطرق الصحيح في معالجة الازمة الاقتصادية فان المعارضة تتوقع الاسوا فيما يتوقع صندوق النقد الدولي تراجع الاقتصاد البرتغالي بـ1,4 بالمائة العام القادم , و في تصريح لصحفيين يقول قائد التحالف اليساري فرانسيسكو لوكا بشان الاضراب
« ان اول ما تقوم به الحكومة عندما تكون في ازمة خطيرة هو قطع الاعانات المخصصة للذين لا عمل لهم اما الشيء الثاني فهو تعزيز دعمها للاجراءات التي تزيد معدلات الفائدة فتخنق الاقتصاد المالي «.و كانت لشبونة تستعد بالامس لاحتضان الاف المتظاهرين الذين ينتمون لاكبر اتحادين عماليين في البلاد يضمان اكثر من 750 الف عضو واضراب الامس يعد الاول من نوعه منذ 1988 .و معلوم ان الرئيس الامريكي باراك اوباما صرح مساء السبت الماضي على هامش افتتاح القمة الاوروبية الامريكية بلشبونة «بان ما يحدث في امريكا و بصفتها القوة الاقتصادية الاكبر في العالم من شانه التاثير على اوروبا و ان العكس صحيح ايضا»
امتداد العدوى من اليونان و ارلندا الى البرتغال
و يعيش البرتغال على وقع صدمة بين رجال الاعمال بسبب حالة الهلع التي اصابت الاسواق المالية ,و يتوقع الخبراء ارتفاع دين البرتغال الى 86 بالمائة من اجمالي الناتج المحلي هذا العام مقابل 76,6 سنة 2009 بسبب ارتفاع البطالة و الانفاق الحكومي .وتؤكد الصحف البرتغالية تراجع التاييد الشعبي للحكومة البرتغالية بثماني نقاط .
والى جانب البرتغال فان دول اوروبية عديدة بينها اسبانيا و وارلندا بصدد اعتماد خطط تقشف صارمة لخفض ديونها بعد ان اشرفت خزائنها على الافلاس اما في ايطاليا فان الازمة الاقتصادية دفعت رئيس الحكومة برلسكوني الى مواجهة التصويت على الثقة الشهر القادم .و يسعى رئيس الحكومة البرتغالية جاهدا لتكذيب كل التكهنات بان البرتغال ستكون ثالث بلد اوروبي بعد ارلندا و اليونان سيكون في حاجة لخطة انقاذ اوروبية وضخ اموال من ا لاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي للخروج من الوضع الراهن و يعتبر رئيس الوزراء الاشتراكي ان الاجراءات التقشفية ضرورية لتقليص حجم العجز من 7.3 بالمائة الى 4.6 بالمائة و هو ما يعني ان رئيس الحكومة البرتغالية الذي يواجه ضغوطات على اكثر من صعيد سيظل ابعد ما يكون عن المطلوب من جانب الاتخاد الاوروبي الذي يشترط اقل من ذلك.
و بعيدا عن اجواء الاضطرابات و تداعياتها فان لشبونة عاصمة ما يوصف بانها افقر دول غرب اوروبا تظل من المدن المغرية للزائر ليس فقط بسبب نظافة و تناسق بناياتها ولكن بسبب خصوصياتها الفريدة التي تجعلها مجمعا لارث متعاقب من الحضارات المتلاقحة التي افرزت المشهد البرتغالي الراهن الممزوج بين القوتي والرماني والاسلامي العربي في نقوشه و بناياته وحصونه وقلاعه و متاحفه وكنائسه و لغته و موسيقى الفادو الشهيرة التي شكلت وجه العاصمة البرتغالية الممتدة على ضفاف نهر التاج كما اعيد بناؤها في اعقاب الزلزال الذي دمرها سنة 1755 فجمعت بين الحداثة و العراقة والتنوع لا سيما و ان عدد سكانها يتجاوز الـ600 الف نسمة ويكفي ان اسم البرتغال ارتبط تاريخيا باكثر من حضارة فهي تبقى بلاد البرتقال التي اطلقها عليها العرب نسبة لكثرة توفر شجرالبرتقال فيها وهي ايضا تعني «ميناء الغال» نسبة الى مينائها الكبيرو يرجع الفضل للمغامرين و الرحالة المسلمين في اكتشاف المحيط الاطلسي عبر رحلات الاستكشاف التي كانت تخرج من لشبونة ...ولاشك ان ثورة القرنفل التي عرفها البرتغال في سبعينات القرن الماضي و بعد تخلي البرتغال عن مستعمراتها السابقة واخرها مكاو التي عادت للسيادة الصينية سنة 1999 مهدت الى دخول هذا البلد الى منطقة اليورو ولكن ليس من دون تحديات و اختبارات كبيرة معقدة قد لا يكون اضراب الامس اخرها
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire