أزمة الفكر السياسي العالمي |
صالح عطية ـ ثمة شبه إجماع، أو لنقل توافقا ـ ولو نسبيا ـ على أن الفكر السياسي في العالم، يمر بأحلك فتراته.. فهناك ضعف على مستوى «إنتاج» الأفكار السياسية لم يسبق أن عرفه الفكر البشري ـ على الأقل خلال العشرين عاما الماضية ـ... |
غير أن الذي حصل، هو هيمنة القطبية الواحدة (ممثلة في الولايات المتحدة الأمريكية)، وضعف الأمم المتحدة التي اعتقد بعض المحللين أنها ستكون المؤسسة الأبرز على صعيد رسم السياسة الدولية.. والتراجع المذهل «لمجموعة عدم انحياز» التي لعبت دورا مهما في «تعديل» العديد من المواقفوالسياسات في قضايا إقليمية ودولية هامة... إلى جانب اضمحلال الفكر الاشتراكي، الذي كانت تستفيد منه دول ومؤسسات وقوى عديدة، خصوصا لجهة «فرملة» الفكر الرأسمالي، والحيلولة دون هيمنته المطلقة.. في مقابل ذلك، برزت «الأصوليات» الجديدة، الإسلامية والمسيحية واليهودية والصهيونية، بشكل غير مسبوق، وظهرت تحالفات تكتيكية واستراتيجية بين بعض هذه التيارات، وانهار الفكر اليساري، ما سمح بصعود اليمين في أشكال سياسية وعقائدية وتنظيمية مختلفة، وكانت «العولمة»، التي حاولت أن تكون الوجه المضيء للقطبية الأمريكية، وبرزت ما يعرف بـ»منظمات المجتمع المدني»، والجمعيات ذات الأفق الاجتماعي التي أفقدت النقابات العمالية قوتها و»جبروتها» اللذين كانت تتمتع بهما عقودا طويلة.. ومع انهيار برجي التجارة الدولية في نيويورك العام 2001، دخل العالم في غرفة «الرقابة الأمنية»، فازدادت السياسة تراجعا، ونشأت قوى جديدة، وضمرت فعاليات أخرى، سياسية واجتماعية، ولم تُفلح شعارات «التوافق» و»الوفاق» وحتى «التضامن»، في إرساء «ثقافة سياسية» جديدة، بعد أن اصطدمت باستحقاقات أخرى، كانت «المقاربات الأمنية»، والبحث عن الاستقرار وسط «الفوضى الخلاّقة»، أبرز عناوينها.. حتى الفكر الليبرالي، الذي اعتـُقد في بعض الأوساط، أنه النهج البديل لوضع ما بعد القطبية الواحدة، لم ينجح في جعل «التحررية»، ممارسة عالمية، لذلك اقتصر وجودها على بعض «الحزيبات» والمنظمات التي لم تؤثر في اتجاهات التفكير في العالم.. وهكذا افتقدت بعض المفاهيم والاصطلاحات، معاييرها.. تشوّهت الديمقراطية وانحسر مدّها المتواضع أصلا... وتآكل اليسار بجميع مكوناته ومرجعياته، الارتودوكسية منها والتقدمية، وتشكلت بنى اجتماعية جديدة.. وبدأت «الايديولوجيا» تطل برأسها ضمن أشكال وعي مختلفة ومتعددة... وانهارت الأحزاب، ودخل بعضها «غرفة الانعاش».. واخترقت «الزبونية السياسية» النخب هنا وهناك... بل حتى ثقافة «حقوق الإنسان»، لم تنجح في أن تكون «البديل» للفكر السياسي التقليدي، بعد أن مرّغها مؤسسوها في وحل العنف والقمع والاحتلال، باسم «التحرير» و»الدمقرطة»، ما أدى إلى موت «الأخلاق» في الممارسة السياسية... وفقد العالم ثقته في المؤسسات والمنظمات التي أنشأها في أعقاب الحرب العالمية الثانية لكي تكون ضامنا لعدم حصول إخلالات من هذا القبيل.. أما مفهوم «السلام» الذي يتردد صداه حاليا بصورة مكثفة، في أكثر من بقعة في العالم، فقد افتقد جذوته ومضامينه، وكأنه بات يؤدي إلى عكس مقصده، أي إلى عدم السلام.. إنه الفراغ المريع في مستوى الفكر السياسي العالمي، فراغ يطرح سؤالا أساسيا هو: ما الحل؟ الوضع ـ في رأينا ـ يتطلب مؤتمرا دوليا خارج أسوار الأمم المتحدة، يضع أسسا لفكر سياسي عالمي جديد، بعيدا عن «الفيتو» الأمريكي، الذي بات أحد أبرز أزمات الفكر السياسي العالمي الحديث.. فهل تكون العشرية المقبلة بداية الاستفاقة من هذه الغيبوبة؟ |
3 octobre 2010
أزمة الفكر السياسي العالمي
Inscription à :
Publier les commentaires (Atom)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire