مفتي الجمهورية لا لإرهاق النفس بالتداين وأثمان الأضاحي مرتفعة
الناس صاروا يراعون العادة أكثر من العبادة ـ أسبوع فقط يفصلنا عن حلول غيد الإضحى وككل سنة تتعدد التساؤلات وتتنوع في أذهان الناس خصوصا منهم الممزقون بين ما يفرضه عليهم الواجب الديني وبين الامكانات المحدودة وظروفهم الخاصة التي قد يعيشونها زمن الاحتفال...
أمام الارتفاع المفرط لأسعار الأضحية اسأل سماحتكم هل من واجب هؤلاء اقتناؤها:
* من يتداين لشراء كبش العيد وهو في حاجة إلى ضروريات لضمان عيش كريم لأفراد عائلته.
* من يطلب سلفة من مشغّله ليسدّدها على أشهر بما يؤثر على إنفاقه على أفراد عائلته خلال تلك الأشهر.
* من يشترك مع أفراد عائلته كأشقائه وشقيقاته المتزوجين أو أصهاره لشراء أضحية... وما شروط هذه العملية...أي هل يجب أن يكون كل المتشاركين غير قادرين على تسديد كل بمفرده لثمن الأضحية أم هل يصحّ حتى لمن يتسنّى لهم ذلك؟
يقول الله جل ذكره بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { وما جعل عليكم في الدين من حرج }(1)، ويقول سبحانه { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } (2)، ويقول أيضا { فاتقوا الله ما استطعتم } (3) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : » إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم » (4).
وبناء على ذلك فإن ديننا الحنيف كله يسر وليس فيه شدة ولا عسر، ومن مبادئه الرفق ورفع المشقة والحرج والتيسير، والمكلف مطالب بأداء واجباته مع القدرة والاستطاعة. فكلما كان في التكليف شدة وإرهاق زائدان على الطاقة البشرية، كانت الرخص التي تعفي المكلف من تلك المشقة الزائدة. ومن مقاصد الإسلام حفظ المال والثروات العامة دفعا للاحتياج والفقر والخصاصة لأن حفظ النفس والمال مقصدان من مقاصد الشريعة.
من ذلك الأضحية التي هي عبادة وشعيرة من شعائر الإسلام ترمز الى قصة إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام حيث فداه بذبح عظيم كما ورد في قوله تعالى { فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم } (5).
وصارت الأضحية في ديننا الإسلامي سنة مؤكدة على من استطاعها، وقيل مستحبة لمن لا يجحفه ثمنها، لها غايتها الدينية والاجتماعية منها التقرب الى الله وشكره على ما أنعم به على الإنسان من نعم لا تحصى ولا تعد كنعمة الإيجاد والتكريم والإنعام بالثروات والصحة، ومنها فضائل أخلاقية وإنسانية وهي التضامن والتآزر والتعاون بين الأغنياء والفقراء في السراء والضراء وخاصة في مثل هذه المناسبات الدينية كعيدي الفطر والأضحى التي يتبارى فيها الأغنياء لمد يد المساعدة لإخوانهم الفقراء بإشراكهم في أضحياتهم. وكذلك الدور الذي يقوم به التضامن الاجتماعي والمجتمع المدني في هذا السبيل.
لذلك فلا داعي للاقتراض وإرهاق الإنسان نفسه بالتداين خاصة وأن أثمان الأضاحي مرتفعة مع ما تستلزمه من مصاريف إضافية تؤثر على نفقاته على أسرته وهو مطالب بإرجاع الديـن أو السلفة التي تحصل عليها وقد يعجز عن إرجاعها وهو حرج وشدة يأباهما الإسلام.
أما إذا كانت السلفة لا ترهقه ولا تؤثر على حاجياته وحاجيات أسرته ويستطيع إرجاعها فلا بأس. ومن كان غير قادر على أن يضحي فقد سقط عنه التكليف وإنما الناس صاروا يراعون العادة أكثر من العبادة ويحتجون بأنهم يتكلفون شراء الأضحية وهي ليست بأضحية من أجل أن لا يحرموا صغارهم من اللعب بكبش العيد.
وكذلك من يعمد الى الذبح قبل صلاة العيد وقبل ذبح الإمام.
ولا يصح الاشتراك في ثمن الأضحية إذا كان من الضأن وإنما لرب العائلة أن يشرك أفراد عائلته في ثوابها. أما إذا كانت من البقر فيجوز الاشتراك في ثمنها بين سبعة أنفار.
أمام ارتفاع أسعار الأضحية يعمد البعض لشراء سقيطة لحم فيتصدقون منها ويأكلون ويدخرون... فما حكم هؤلاء من حيث الأضحية ومن حيث الصدقة؟
إن اقتناء بعض اللحوم والتصدق بها أو تقديمها لأفراد عائلته ليست بأضحية وإنما هي هدية لعائلته وتوسعة عليهم يوم العيد، وهي صدقة عادية له الأجر والثواب عليها. وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه اشترى لحما يوم العيد وقال : هذه أضحيتي. ويمكن التأسي بفعله وناهيك بابن عباس حبر الأمة الإسلامية ومن علمائها المتمكنين من أسرار الشريعة وهو الذي دعا له نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله : » اللهم فقّهه في الدين وعلّمه التأويل » (6).
وروى ابن ماجة والترمذي ومالك واللفظ له عن عطاء بن يسار قال : سألت أبا أيوب الأنصاري : » كيف كانت الضحايا فيكم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نضحي بالشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته ثم تباهى الناس فصارت مباهاة ». وجاء في الحديث أن رسول الله صلى عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين أحدهما عن نفسه والآخر عمن لم يضح من أمته (7). وهذا الحديث وإن كان لم يخرجه أصحاب السنن ولا الشيخان فإن إسناده حسن.
ومن سنة الأضحية كما ورد في الحديث : » كلوا وأطعموا وادخروا ». والتصدق والإطعام بها أفضل فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » يطعم أهل بيته الثلث ويطعم فقراء جيرانه الثلث ويتصدق على السائلين بالثلث » (8).
يعمد البعض لشراء سقيطة لحم على أن يذبحها لهم الجزار في محله أثناء فترة العيد فيشترون اللحم فقط كأنهم يشترون حاجياتهم اليومية فهل يعتبر ذلك أضحية؟
لا يشترط أن تذبح الأضحية في محل صاحبها بل تصح في محل الجزار باسم صاحبها ويتسلمها بعد ذبحها وسلخها وتقطيعها، خاصة إذا كان محل السكنى ضيقا أو شقة في عمارة يتعذر فيها الذبح. وأن يذبح الرجل أضحيته بنفسه أفضل، وكذلك يصح الذبح من المرأة.
ظهر خلال السنوات الأخيرة مرض »الدمامل« عند الخرفان فهل يعتبر الكبش المصاب به أضحية أم لا؟
يشترط في الأضحية شروط معينة منها أن أقل ما يجزئ الجذع من الضأن وهو ابن سنة وقيل ما بين ثمانية أشهر الى عشر، وعند الحنفية يجزئ الضأن ابن ستة أشهر إذا كان فاخرا ويظهر بين القطيع كأنه أكبر من عمره الحقيقي. ويشترط في المعز الثني وهو ما أوفى سنة ودخل في الثانية. وفي البقر ما دخل في السنة الرابعة.
ولا يجوز في شيء من ذلك عوراء ولا مريضة مرضا بينا ولا العرجاء البين عرجها ولا العجفاء ولا المشقوقة الأذن إلا اليسير ولا المقطوعة الأذن ولا المسورة التي قرنها يدمي، ويقاس على ذلك كل العيوب والأمراض التي تؤثر على طيب لحمها وسلامتها.
ومن الأمراض المؤثرة الجرباء والدمامل إذا ثبت مرضها عن طريق بيطري وقرر بأنها غير صالحة للأكل لما فيها من خطر على صحة الإنسان.
وكذلك لا يضحي الخروف ما دون الستة أشهر إنما هو لحم أهداه لعائلته زيادة على أنه إهدار للثروة الحيوانية دون فائدة بل فيه مفسدة كبيرة يجب التوقي منها.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire