ما لم ينشر في آخر حديث للراحل الطاهر شريعة |
تمنى المشي ولو لعشرة أمتار دون عكاز رحل الاب الروحي للسينما التونسية لكنه لن يرحل من ذاكرتنا الجماعية... ستظل انجازاته ومجهوداته محفورة باحرف من ذهب في صفحات السينما والثقافة التونسية عموما...ولأنه من طينة «الوطنيين» والمناضلين والمبدعين فان صفحاته ستبقى مشعة وضاءة... رغم مرضه وتنقله على كرسي ظل عاشقا لسابع الفنون الذي افنى فيه مسيرته الزاخرة بالعطاء التي امتدت لستين سنة... لما بلغني نبأ رحيل هذا المبدع الكبير عادت بي الذاكرة الى ذات امسية من اواخر جويلية الماضي قربتني من رجل من طينة نادرة كنت اسمع عن نجاحاته وعطائه دون لقائه والحديث معه... لما طلبت منه اجراء حديث صحفي لم «يتطاوس» كما يفعل بعض نجوم «الكرتون» اليوم بل قبل وهو الذي يتميز بندرة حواراته الصحفية |
... زرته بمنزله بجهة بن عروس... أطلعني هناك على بعض الاشياء ورغم مرضه طلب مني مرافقته الى شاطىء الزهراءلانه اشتاق الى نسمات البحر وشده الحنين الى «صخرة الذكريات...» ورغم نصائح الاطباء بعدم مغادرته المنزل لمشاكل في القلب والتنفس فقد خالف كل التوجيهات والتعليمات وعارض حتى ابنه الذي طلب منه عدم الخروج.... ورغم حرارة الطقس والعرق الذي كان يتصبب عليه الا انه كان حريصا على الذهاب الى مكانه المحبب... لن انسى تلك الامسية لانها باختصار قربتني من هذا الرجل «الحديدي» ليكون لي حظ الاطلاع على ابرز محطاته منذ ولادته ...ومواقفه... ووجهات نظره بشان عديد المسائل... حدثني عن الحادث المنزلي الذي تسبب له في كسر عموده الفقري... لينجو منه باعجوبة... وما شدني في الرجل انه كان يسرد الواقعة بهدوء كبير بعيدا عن التافف او التحسر وهي عادة بقية خلق الله ...كان راضيا بقدر الله ويعيش حياته كما هي رغم معاناته وآلامه...ورغم تقدمه في السن وتدهور حالته الصحية فاتذكر جيدا انه قال لي حرفيا :«لا اخشى الموت الذي قد يفاجئني في كل لحظة لاني عشت حياتي كما اشتهيت ولم اشعر يوما بالغبن...» وفسر الرجل ذلك بكونه تولى عديد المسؤوليات الثقافية... سافر وجاب اغلب بلدان مختلف القارات...اقترب من نجوم العالم وربطته صداقات مع اغلبهم... كان نجما وضيفا مبجلا في اغلب المهرجانات والتظاهرات... ورغم هذه المسيرة الزاخرة بالعطاء كان يردد عبارة وحيدة هي بمثابة العبرة «أمنيتي اليوم ان امشي ولو لعشرة امتار دون عكاز... «صخرة الذكريات» لحظات فقط على الشاطىء اكتشفت عديد الجوانب الخفية في هذا الرجل... تلقائيته... عفويته...جراته بل انه كان «طفوليا» بريئا لما طلب مني ان اقتني لهقطعة مثلجات «قلاس» واردفه بعبارة «اعتبرني ابنك واقتنيها لي من النوع الرفيع...» ولا تتصوروا مدى استمتاعه بتلك القطعة... ومع هبوب نسمات البحر في آخر المساء استعاد حيويته اكثر وعادت به الذاكرة الى «صخرة الذكريات»...طلب مني ان آخذه الى مكان معين على شاطىء الزهراء وهناك اشار لي الى صخرة كانت مترامية على الشاطىء تتلاطمها الامواج واطلق تنهيدة وقال لي: تلك هي «صخرة الذكريات» هكذا اسميها لاني كنت وفيا لها لسنوات طويلة ...أحرص على الجلوس عليها وتامل البحر للتخلص من ضغوطات ومشاكل الحياة... بعض اسراري لا يعلمها الى حد اليوم الا هذه الصخرة التي لا تتصور مكانتها بداخلي وحنيني الدائم لها ولانه تربى على «الذوق» و«ذواق» في كل شيء كان يغضب بشدة بل انه «يتنرفز» كلما التقط له مصورنا صورة على النحو الذي لا يريده... ورغم هذه الجزئيات الجانبية فقد انشغلت بمسيرة ومواقف الرجل... فقد كان مديرا لقسم العمل الثقافي بباريس ضمن المنظمة الحكومية الفرنكفونية وسعى الى تقديم الدعم والمساعدة لمختلف البلدان العربية واضاف: «كان كل همي وطني اولا...وضميري مرتاح لاني خدمت السينما بقلب ورب واعتز كثيرا باللقب الفخري الاب الروحي للسينما التونسية.... أشار الى ان السينما التونسية يجب ان تبحث عن مكانها فيالسوق لا ان تنتظر مشاهدا قد يخصص لها وقتا مع ضرورة دعم الاسابيع الثقافية»...وما ان عادت ذاكرته الى مذكراته حتى ابدى الراحل تحسره على ضياع جانب كبير منها سنة 1955 حيث كان يدرس وقتها بصفاقس وصادف فيضان احد الاودية فحمل ادباشه وذهبت مذكراته...وبعد هذه المسيرة الطويلة قال :«ان هذا العطاء الغزير منحه الكثير من اسباب الرضا والمتعة والقبول بقضاء الله وقدره ولئن رحلت روح الاب الروحي للسينما التونسية ومؤسس «الجي سي سي» فان انجازاته ستظل تنبض في صفحات التاريخ مهما تعاقبت الاجيال وتواترت الاعوام... رحمك الله أيها المناضل الابي |
8 novembre 2010
ما لم ينشر في آخر حديث للراحل الطاهر شريعة
Inscription à :
Publier les commentaires (Atom)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire