أحزاب استجدت أصوات الناخبين لا تبالي اليوم بمنكوبي الفيضانات ـ كشفت الفيضانات الأخيرة التي تضررت منها عديد المناطق في الجمهورية مرة أخرى عن عجز المجتمع المدني والسياسي عن التفاعل مع المشاغل الحقيقية للتونسيين. |
والمتأمل اليوم في التقارير الإخبارية والمقالات التي نقلت الوضع في بعض الولايات المنكوبة بعد الأمطار الأخيرة يجد أن الأهالي هناك يحملون المسؤولية للأحزاب والجمعيات وكافة مكونات قوى المجتمع المدني التي لم تتضامن معهم ولم تقدم لهم أي نوع من المساعدة كما لم تتفاعل مع معاناتهم ولو ببيان تحث فيه السلطات على تحمل مسؤولياتها أو تقدم فيها مباردات أو اقتراحات عملية في الغرض. في المقابل تهرع عديد الأحزاب والجمعيات قبل الإنتخابات وبعدها للتفاعل مع قضايا جانبية مفتعلة أحيانا وتصدر بشأنها المواقف والبيانات بل وتنظم الوقفات الإحتجاجية وتقام المنابر الحوارية وتقام الدنيا ولا تقعد حول الهوية والإرث والنقاب... هذا لا يعني أنها مواضيع غير مهمة- لكنها تبقى ثانوية أمام المشاغل الحقيقية للتونسي بعد الثورة الذي يصارع اليوم تأثير الكوارث الطبيعية وغلاء المعيشة اليومية في ظل غياب أجهزة الدولة والرقابة الإقتصادية بالإضافة إلى تفاقم البطالة في بعض المناطق الداخلية وشبه شلل تام في بعض الجهات التي أتلفت مقراتها الإدارية والرسمية وأحرقت إبان الثورة وبعد الإنتخابات أيضا على غرار ما حصل في سيدي بوزيد مؤخرا. فجوة في اتساع وبهذا التفاعل السلبي مع قضايا الشعب تتسع يوما بعد يوم الفجوة بين التونسي ونخبه ومكونات المجتمع المدني والسياسي الذي يبدو اليوم إما عاجزا أو لا مبالي وهما خياران أحلاهما مر. في هذا الإطاريقول الإسكندر الرقيق رئيس التحالف الوطني للسلم والنماء أن شريحة كبيرة من المجتمع لا تفكر اليوم سوى في قوتها اليومي والبطالة المتفاقمة والفقر وعدم الشعور بالإطمئنان على مستقبلها ولا يهمها كثيرا حرية اللباس والميراث وحقوق المرأة فهذه القضايا وغيرها أصبحت تثار لتصفية حسابات ضمن صراع الساحة السياسية ولا ناقة ولا جمل للمواطن فيها وهي بعيدة عن هموم ونبض الشارع. ويضيف الإسكندر الرقيق أن الكثير من الأحزاب والجمعيات دخلت للأسف في دوامة مفرغة مباشرة بعد الثورة وبعد الإنتخابات يقتصر الإهتمام على تقسيم الكعكة بعيدا عن المسؤوليات الحقيقية. وحول التفاعل مع مشاغل المواطن تساءل محدثنا لماذا لم تتجه الأحزاب التي لها موارد مالية هامة لإنشاء جمعيات خيرية كان سيكون لها دور اليوم في إعانة وإغاثة منكوبي الفياضانات ويقول بهذا الصدد "لا يمكن أن يكون المال السياسي سلبيا مائة بالمائة لأنه بالإمكان توظيفه بشكل إيجابي بإنشاء جمعيات خيرية مثلا." وتساءل محدثنا أيضا أين هي قوافل الشكر التي نظمت تلقائيا مباشرة بعد الإطاحة بالمخلوع وتوجهت للجهات الداخلية ببادرة من بعض قوى المجتمع المدني؟ لماذا لم تتجه اليوم نحو المناطق المتضررة من الفياضانات؟ أم أن دخول الحسابات السياسية على الخط رجح كفة الصراعات الحزبية على مشاكل الطبقات المحرومة والمعدومة. غياب النضج وعامل المفاجأة رغم ذلك لا ينكر رئيس التحالف الوطني للسلم والنماء ضعف المجتمع المدني في تونس بعد الثورة وعدم نضجه بالشكل الكافي لأن الثورة فاجأته وبدا وكأنه يخطو خطواته الأولى. وهو رأي يوافقه فيه عز الدين الصالحي نائب رئيس حزب المسؤولية الوطنية الذي بين أن غياب النضج والرؤية الواضحة حتى لدى الأحزاب الكبرى والفائزة في الإنتخابات جعل تفاعها سلبيا مع قضايا المجتمع الطارئة كما مشاغله المستفحلة والتي من أجلها ثار الشعب وقدم التضحيات. وأشار عز الدين الصالحي أنه كان يفترض أن يتخذ المجتمع المدني والأحزاب الكبرى مبادرات فورية للتفاعل مع مشاغل المواطن كتوجيه إعانات للعائلات الفقيرة المتضررة من الفياضانات الأخيرة إلى جانب اتخاذ تدابير للدفع باتجاه تعزيز المراقبة على الأسعار للحد من ارتفاعها وتدهور القدرة الشرائية للمواطن بعد الثورة التي بلغت مداها. في السياق ذاته يعتبر نزار جابر ناشط حقوقي وكاتب عام رابطة المحامين القوميين أن الثورة مثلت مفاجأة غير منتظرة أتاحت بالدكتاتور ومهدت الطريق أمام التونسين لتحقيق كرامة العيش والحرية وفي ذات الوقت وضعت المجتمع السياسي والمدني أمام إستحقاقات كبرى لم يكن جاهزا لها. ويذهب محدثنا إلى حد الإقرار بأن عدم جاهزية قوى المجتمع للتعاطي مع المرحلة والأخذ على عاتقها مسؤولياتها جعل الإحباط يدب في نفوس الجماهير لأنها وجدت نفسها أمام نخب وأحزاب ومنظمات وجمعيات بعضها منشغل بأجندات خارجية وقضايا هامشية وأخرى تنخرها انقسامات وتجاذبات داخلية وأخرى غير معنية ولا وزن لها. مسلسل قطيعة من جهة أخرى يصف بعض الملاحظين أن ما نشاهده من عدم تفاعل مع آلام وقضايا ومشاغل التونسي هي إمتداد لمسلسل قطيعة بين التونسي والمجتمع المدني والسياسي.لأن الشعب الذي أنجز الثورة وقدمها على طبق من ذهب للنخب لم يجد بعد 14 جانفي انخراطا كافيا من الأحزاب والمنظمات والجمعيات في هوجس المجتمع وتجسد ذلك في غياب هذه الأطراف عن الإنفلاتات الأمنية التي عرفتها البلاد بعد الثورة وغيابهم أيضا عن الإعتصامات والصراعات القبلية...الخ. ويقر البعض بتواصل المنطق ذاته بعد الإنتخابات فبعد أن كانت الطبقة السياسية قبل أسبوع تستجدي أصوات الناخبين من جميع الشرائح ولا تجد عناء في الذهاب إلى أقاصي الأرياف نجدها اليوم غير مبالية بمعاناة العائلات المعوزة في المناطق الداخلية ومن بينهم منكوبي الفياضانات الأخيرة.ويعود ذلك إلى ثقافة سياسية لم يتم القطع معها تبني العلاقة مع المواطن على أساس ولائه فقط للنخب السياسية. قبل فوات الأوان لكن السؤال المحوري اليوم إذا لم تصحح قوى المجتمع السياسي والمدني المسار باتجاه الإلتصاق بنبض الشارع وتطلعات وانتظارات المواطن الحقيقية فأين ستؤول الأمور؟ في الإجابة على هذا التساؤل يقول الإسكندر الرقيق أن الأمور قد تتطور إلى ثورة أخرى لأن الشعب لن يصبر طويلا على هذه النخب التي خانت تطلعاته.ومن جهته يعتبر نزار جابر أن تواصل القطيعة بين النخب والمجتمع قد تخدم قوى الثورة المضادة المتربصة. |
5 novembre 2011
رغم غلاء المعيشة والفيضانات قوى المجتمع المدني والأحزاب في قطيعة مع المشاغل الحقيقية للتونسي
Inscription à :
Publier les commentaires (Atom)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire