لم
تخرج جائزة نوبل للآداب هذا العام من كوكب الشعراء فقد توجت الشاعر
السويدي «طوماس ترنسترومر « البالغ من العمر ما يناهز 81 سنة. الأسماء التي
كانت مرشحة بقوة للفوز بهذه الجائزة أغلبها لشعراء.
وإحقاقا للحق فإن كثيرين في المنطقة العربية كانوا يأملون في أن يسجل أدونيس اسمه في قائمة المتوجين
بهذه الجائزة العالمية القيمة ماديا ومعنويا وأن يعزز الحضور العربي في
مثل هذه المحافل الدولية الهامة وأن لا يبقى سجل العرب في هذا الباب حاملا
لتجربة يتيمة على قيمتها واعتزاز المنطقة بها والمتمثلة كما هو معروف في
حصول نجيب محفوظ الأديب المصري الكبير الراحل على نوبل للآداب.
أعلن
إذن يوم أمس عن الفائز بجائزة نوبل للآداب وإن كان الخبر مفاجئا مثلما هي
عادة جوائز نوبل ذلك أن اسم الشاعر السويدي لم يكن مطروحا بقوة على خلاف
الأسماء الأخرى وإن خلناها عربية ذلك أن الشاعر أدونيس أهل للجائزة وربما
لا يقل قيمة عن صاحب الحظ السعيد ولكن ذلك لا يحول دون أن نقر وبمجرد أن
تتكون لدينا فكرة عامة حول رصيد الشاعر السويدي وسيرته الذاتية بأن الجائزة
توجت في نهاية الأمر تجربة إبداعية متميزة هدفها الإنسان في مفهومه
المطلق.
فالشاعر السويدي «طوماس ترنسترومر» يعتبر من بين
أشهر الأدباء الأسكندنافيين الأحياء. كرس تجربته الشعرية لمحاولة فهم
العلاقة بين مميزات الكائن الشخصية وعلاقتها بالمحيط الخارجي وقد استعان في
عملية تشخيص تلك العلاقة بتكوينه في مجال علم النفس.
ترجمت
أعمال الشاعر إلى حوالي خمسين (50) لغة ومن أبرزها اللغة الإنقليزية.
يتلقى النقاد عادة تجربة الشاعر بحفاوة كبيرة حتى أن أحد النقاد السويديين
ووفق ما نقله الموقع الإلكتروني لصحيفة «لوموند» الفرنسية مباشرة اثر
الإعلان عن الجائزة وصف قصائد الفائز بنوبل للآداب فقال «إنها صلوات
لائكية». قصائد الشاعر السويدي وفق إجماع النقاد هي دعوة للإبحار في الذات
البشرية بحثا عن العمق الروحي وهي مليئة بالإيحاءات وبالصور الشعرية. إن
شعر ترنسرومر -حسب الناشر الذي بدأ معه الرحلة وهي متواصلة إلى اليوم -»
تحليل دائم لذلك اللغز المتمثل في الذات الواحدة أمام التعددية في هذا
الكون الغامض».
يجد
النقاد كذلك أن أسلوب الشاعر الذي يميل نحو الحزن والشجن ويمكن أن نلمس
لديه نزعة نحو التصوف (على طريقته الخاصة) يعكس عمق انخراطه في النضال من
أجل عالم أفضل.
هناك في حياة الشاعر المتوج بجائزة نوبل للآداب أكثر من محطة تجعلنا نحترم هذه التجربة الإبداعية والحياتية الفريدة من نوعها.
لقد
عاش الشاعر المولود بستوكهولم (1931) مع والدته بعد رحيل الوالد مبكرا
وبعد حصوله على شهادته العلمية تعامل لفترة طويلة مع المعاقين ومع
المنحرفين الصغار. تعامل الشاعر عن قرب مع السجناء كذلك ومع المدمنين على
المخدرات وذلك بسبب اختصاصه العلمي. موهبة الشعر ظهرت عنده مبكرا وكان قد
أصدر مجموعته الشعرية الأولى وهو طالب عن دار نشر سويدية ذائعة الصيت.
تجربة انسانية مثيرة
حصل المتوج بنوبل للآداب لهذا العام خلال رحلته الطويلة على جوائز دولية هامة كما أنه قام بنفسه ببعث جائزة تحمل
اسمه منذ سنة 1990. لكن المذهل في مسيرة الرجل أنه ومنذ التسعينات يعاني
من شلل نصفي ومع ذلك فإن المجموعة الأولى التي صدرت له بعد ست سنوات من
تعرضه للمرض لقيت نجاحا كبيرا وأقبل القراء عليها بالآلاف.
تعود
آخر مجموعة أصدرها الشاعر إلى سنة 2004 لكنه في الأثناء تحول إلى عالم
الموسيقى. تضرر يده اليمنى بالكامل لم يحل دونه وآلة البيانو وهو العازف
الهاوي فقد أصبح يعزف باليد اليسرى.
أصدر
«طوماس ترنسترومر «حوالي 15 مجموعة شعرية خلال مسيرته. الأولى بعنوان» 17
قصيدة « أما المجموعة الأخيرة فهي بعنوان « اللغز الكبير».
ويفهم
من خلال السيرة الذاتية للشاعر المتوج بنوبل للآداب أن التجربة الإبداعية
لم تكن لوحدها العامل الذي جعل الكفة ترجح لفائدته وإنما أخذت في الإعتبار
عدة معطيات من بينها عمق التجربة الإنسانية.
الشاعر السويدي يحمل على عاتقه عبء فهم البشرية وفهم ذات الإنسان وهو أمر يحتاج لوحده مجلدات ولأجل ذلك استحق الرجل أن نهنئه بهذا الفوز الكبير