مازالت
تركيبة المجلس التأسيسي المقبل تطرح مخاوف لدى البعض. فيقول هؤلاء إن
طبيعة القانون الإنتخابي المصادق عليه لا تسمح بتكوين أغلبية داخل المجلس.
وإن يشكل هذا في ظاهره مبعثا على الإطمئنان كي لا تتفرد أية جهة بالرأي في
مجلس طبيعته تشاورية لتقرير مصيربأكمله، لكن في المقابل هناك مخاوف من
انتقال الاختلافات الكبيرة بين الأحزاب إلى داخل المجلس بعد انتخابه لا
سيما في ظل الحديث عن جبهات وتكتلات مرتقبة في المجلس التأسيسي من شأنها
تحويله إلى "حلبة صراع" بين الأفكاروالإيديولوجيات قد تحيد به عن ما أنتخب
من أجله أو تعطل التوصل السريع إلى الحسم في أمور قد لا تحتمل التأجيل.
|
تباينات واردة.. لكن..
في
إجابته على هذا التساؤل يقول أحمد الصديق (حزب الطليعة) إن هناك تهويل
لحجم الصراع السياسي المرتقب بخصوص مضامين الدستور دون أن يقلل ذلك من
الوجود الحقيقي لتباين في تصورات الأحزاب والمستقلين الذين سيتمكنون من
الحصول على مقاعد في المجلس التأسيسي.
ويعتقد محدثنا أن الإختلاف في المضامين المتعلقة بالمحاور الكبرى سيخفت في بعض المواضيع التي فيها شبه توافق.
في المقابل قد يكون هناك نقاش يستند إلى تصورات متباينة جدا أساسا حول موضوع نظام الحكم.
وبهذا
الشأن يبين أحمد الصديق أنه استنادا إلى برامج الأحزاب المعلنة فهناك ثلاث
"عائلات" داخل المجلس أولى ستساند النظام البرلماني وأخرى ستدعم النظام
الرئاسي وثالثة تحبذ النظام المختلط تتوازن فيها العلاقة بين الرئاسة
والبرلمان.
ومن الواضح وفقا لمحدثنا أن خلفية هذه المواقف لا تعود
فقط إلى المنبت الإيديولوجي والنظري والمشروع المجتمعي الذي تتبناه هذه
الأطراف بل تستند خاصة إلى حجم تلك الأحزاب ورهاناتها وقدراتها وطموحات
زعمائها. ومن يغلب النظام الرئاسي يطمح "وهذا واضح منذ الأيام الأولى
للثورة إلى اعتلاء رئاسة الدولة "ومن الطبيعي أن يسعى إلى تمرير النظام
الرئاسي. أما العائلة الثانية التي تنتمي لها أحزاب تدعي اكتساح الشارع "
فهواها برلماني لإعتقادها أن الرهانات المقبلة التي يبدو أن محاذير معينة
تحول دون تبوئها الرئاسة فتريد التحكم في لعبة الحكم من خلال البرلمان".
أما
العائلة الثالثة فيرى أحمد الصديق أنها تدافع عن نظام مختلط تتوازن فيه
السلط إيمانا منها أن الخروج من 50 سنة دكتاتورية يقتضى ضمان أوسع مشاركة
في القرار من خلال برلمان ممثل للجميع مع ضمان حق أدنى من الإستقرار بتمكين
الرئاسة من صلاحيات المسؤولية السيادية وتكون رئاسة تضطر للتعاون مع البرلمان دون أن تصادر صلاحياته.
ورغم
هذا التباين في رؤى الأحزاب لطبيعة نظام الحكم مما قد سيطرح جدلا كبيرا
داخل المجلس، فيعتبر أحمد الصديق أن الخلاف لن يخرج عن قوانين اللعبة
السياسية خاصة بعد أن أثبتت معظم الأحزاب التونسية نضجا وقدرة على التوافق
تتدعم بطبيعة النظام الإنتخابي المعتمد التي لا تسمح لأي طرف بالإنفراد
بالرأي.
لا خطر من التعددية
من
جهته يرى محمد القوماني (أمين عام حزب الإصلاح والتنمية) أن القانون
الإنتخابي تعمد طريقة الإقتراع المقترحة لضمان التعددية في المجلس وهو أمر
مقصود وإيجابي لأن الخطرالحقيقي ليس في التعددية بل في الإنفراد بالرأي.
وربما مستقبلا وبعد نضج الحياة السياسية في تونس قد يكون من الطبيعي الفوز
بالأغلبية دون مخاطر.
ويعتقد محدثنا أنه لا توجد مخاطر مرتقبة من تركيبة المجلس التأسيسي لأسباب عديدة من أهمها أن النخب السياسية مهما كانت درجة
اختلافها فهي تتوافق على الحد الأدنى الذي لا يقلب الوضعية على الجميع.
وخير دليل على ذلك القبول بإدارة البلاد على أساس الفصل 57 من الدستور
وتواصل الرئيس المؤقت رغم انتمائه إلى النظام السابق. كما يعد القبول
بالحكومة المؤقتة تعبيرا على التوافق رغم الصعوبات وإيجاد الهيئة العليا
لحماية أهداف الثورة وانجازها جزء هام من مهامها رغم الانتقادات
والصعوبات.."كلها رسائل تدل أنه في ظل التعدد وحتى الإختلاف الحاد يمكن
التوصل إلى توافق".
ويضيف
محمد القوماني أن المهام المرتقبة للمجلس واضحة ولا تحتمل الكثير من
التعقيدات فمن الناحية القانونية تبدو مهمة كتابة الدستور سهلة سيما وأن 80
بالمائة منه جاهزا ثم يمر المجلس إلى التوافق على قانون انتخابي جديد
للانتخابات التشريعية. أما من الناحية السياسية فالمطلوب من المجلس معالجة
بعض المواضيع الهامة منها تأهيل المؤسسات وتطهير القضاء وإعادة
هيكلة وزارة الداخلية وضمان حياد الإدارة.."وكل ذلك ممكن في إطار توافقي
وهناك آليات يمكن ضبطها منذ البداية للحفاظ على التوافق على غرار القانون
الداخلي للمجلس واختيار رئاسة المجلس.."
نضج الطبقة السياسية
وفي
السياق ذاته يوافق نورالدين البحيرى (حركة النهضة) أن درجة الوعي التي
وصلت إليها النخبة السياسية في تونس والتي تجاوزت بموجبها وفي أكثر من
مناسبة الصعوبات المطروحة في المسار الانتقالي كمحاولات التفريق على أساس
إيديولوجي أو عقائدي أو جهوي، يمكن أن تكون أكبر ضمان لعدم تحول المجلس
التأـسيسي إلى "حلبة صراع".
وأكد
البحيرى أن التعدد والتنوع مطلوب وهو لا يعني بالضرورة التشتت. كما أن
محاولة أي طرف شل هذه المؤسسة المنتخبة أو تعطيل عملها أو تعمد افتعال
صراعات تحيد بها عن دورها سيكون مصيره ليس ببعيد عن مصير المخلوع.
|