واشار
في محاضرة القاها بجامعة جورج تاون بواشنطن الى ان تونس تسعى اليوم الى
اعادة بناء الدولة الوطنية الحديثة وصياغة عقد اجتماعى جديد بالاستناد الى
مبدا الديمقراطية ودولة القانون والعزم على القطع مع الحقبة الاستبدادية
التى اسقطت مفهوم المواطنة وقيم الجمهورية.
وبعد
ان ذكر بان الثورة التونسية قد فاجات الجميع من سياسيين وملاحظين وباحثين
مختصين وقامت دون قيادات وزعامات ودون لجوء للعنف او التدخل الاجنبى حيث
صنع الشباب سلاحها وادواتها ذكر الباجي قائد السبسي بحقبات نيرة عاشتها
تونس غداة الاستقلال سنة 1956
من خلال الانخراط في مشروع تحديثى للدولة تجسد بالخصوص في ارساء نظام
جمهورى واقرار مجلة للاحوال الشخصية كرست المساواة بين المراة والرجل ونشر
التعليم المجاني.
وعبر
عن التفاؤل بالمستقبل باعتبار ان الانتقال الديمقراطي في تونس يرتكز على
اسس تاريخية وحضارية صلبة ويتصل بمرجعية اصيلة مشيرا الى موهلات النجاح
الاخرى التي تتميز بها تونس ومن اهمها امتلاكها لاسس اقتصادية سليمة نسبيا
ولوحدة عرقية وثقافية وصغر حجم ترابي وبشرى اضافة الى مستوى النخب والموارد
البشرية التى تتمتع بها.
وشدد
على ان هذه المزايا التفاضلية لا يمكن ان تحجب جسامة التحديات المطروحة في
هذه الفترة الانتقالية وعلى المدى المتوسط خلال فترة بناء المؤسسات
الديمقراطية وترسيخ ثقافتها ملاحظا ان الثورة قد فجرت مطلبية كبيرة وتطلعات
مشروعة عاجلة خصوصا في مجالى التشغيل والتنمية الجهوية الى جانب الكشف عن
هشاشة بعض اجهزة الدولة المثقلة بارث استبداد وتراكمات فساد تتطلب هى الاخرى معالجة عاجلة وحكيمة.
وذكر
بحرص الحكومة الانتقالية على وضع الخطط اللازمة لمواجهة هذه التحديات ووضع
لبنات البناء المستقبلى مبينا انه تم الاعتماد في ذلك على نهج التوافق بين
مختلف القوى السياسية والاطراف الاجتماعية.
واستعرض
الوزير الاول المكاسب الكبرى التي تم تحقيقها خلال الاشهر الاولى للثورة
ومنها بالخصوص اقرار اجراء انتخابات حرة وشفافة للمجلس الوطني التأسيسي
واحداث لجنة وطنية مستقلة لتنظيم الانتخابات ووضع قانون انتخابي يقوم على
التناصف التام بين الرجل والمراة في القائمات الانتخابية واقرار العفو
التشريعي العام لفائدة جميع المساجين السياسيين واقرار استقلال القضاء
وعديد الحريات.
وابرز في جانب اخر من محاضرته أهمية التأسيس لنموذج تنموي وعقد اجتماعي جديدين في تونس يرتكزان بالاساس على بناء الثقة وضمان تنمية
شاملة ومتوازنة ومتكافئة واخراج البلاد من التقوقع ووضعها في دائرة عالمية
واسعة الى جانب تكوين خبرات وطنية عالية والحفاظ عليها واستقطاب الخبرات
الدولية وضمان التمويل المادي والمتوازن للتنمية والاستخدام الامثل للموارد
والحفاظ على البيئة.
واكد
دور الدولة الداعم للتنمية في اطار مقاربة تكرس قيم الجمهورية ومبادى
الديمقراطية وتدعم حرية المبادرة وتولي اهمية للقطاع الخاص ولتكريس مبدأى
الحرية الفردية والعدالة الاجتماعية.
واعتبر
ان نجاح مستقبل البلاد يرتبط اولا بالاستثمار في راس المال البشرى من خلال
تطوير النظام التعليمي ومواكبة الثورة المعرفية المتنامية من جهة وبتنقية
العلاقات الدولية وارساء اسس جديدة للعلاقات الدولية تنمي المبادلات
والشراكة وتكرس الاستقرار والسلم في العالم وبالخصوص في منطقة الشرق الاوسط
وشمال افرقيا.
واضاف قائد السبسي ان تونس لم ولن تسعى الى تصدير
ثورتها ولن تنصب نفسها قائدا او ملهما. ولاحظ ان رياح الحرية لا تعترف
بالحدود وان المرحلة الحالية هي مرحلة العالم العربي مبينا ان الربيع الذي
استبشرت به تونس وامتد الى مصر وليبيا سيزهر في ارجاء اخرى من العالم
العربي.
واعرب
عن الامل في استكمال مسار هذه الثورات من خلال الاعتراف بحق الشعب
الفلسطيني في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة باعتماد الشرعية الدولية
وقرارات مجلس الامن.
واكد
ان تونس منفتحة اليوم على افاق جديدة وماضية بكل عزم في مسار لا رجعة فيها
معتمدة في المقام الاول على القدرات الذاتية ومتطلعة الى مساندة المجموعة
الدولية لاستكمال المسار مشيرا الى ان الولايات المتحدة الامريكية لها دور
اساسي في تعبئة هذه المساندة.
وكان
الباجي قائد السبسي عبر في البداية عن سعادته بإلقاء هذه المحاضرة امام
اساتذة وباحثين وقادة فكر وراى وطلبة في جامعة جورج تاون بواشنطن العريقة
مذكرا بالتزام هذه الجامعة منذ نشاتها برعاية المعرفة والدفع نحو التفكير
والتبصر العميق في ادق تعقيدات العالم بهدف تنشئة اجيال من القيادات الذكية
المتفتحة المتشبعة بقيم المسؤولية والخدمة العامة.