أثار مسلسل "في حضرة الغياب" الذي يتناول سيرة الشاعر الفلسطيني الكبير الراحل محمود درويش، في حلقاته الست التي عرضت حتى الآن على شاشات عدد من القنوات العربية بما فيها التلفزيون الفلسطيني؛ استياء مثقفين في فلسطين والعالم العربي.
ويؤكد الشاعر الفلسطيني المقيم في القاهرة مريد البرغوثي لوكالة "فرانس برس" إن تعرض المسلسل لهذه الحملة أتى نتيجة تقديمه شخصية "مبتذلة وركيكة عن محمود درويش، وتصويره وكأنه زير نساء، رغم أنه معروف بأخلاقياته، إلى جانب أنه لا ينطق سوى بالشعر، ويفتقد الصلابة، في الوقت الذي تدرس مواقفه في هذه المجالات".
ويقول الناقد السينمائي طارق الشناوي إن "مأساة المسلسل ورفضه من قبل العالم العربي يأتي من كونه يتعرض لسيرة وشخصية محمود درويش، الشاعر الذي لم يستطع الموت أن يقلص من حالة حضوره الشخصي".
ويتابع: "هذا الشاعر يتمتع بحضور كبير على صعيد عالمنا العربي، واستطاع هو والشاعر السوري الراحل نزار قباني من بين الشعراء العرب، الوصول إلى هذه المرتبة في العالم العربي".
ويؤكد الشناوي أن "الفنان فراس إبراهيم الذي يقوم بدور محمود درويش في المسلسل فشل على المستوى الشكلي والنفسي من أن يقترب من الحالة التي يمثلها محمود درويش. والمأزق الأكبر هو أن المشاهدين وضعوا فراس دائماً في تلك المقارنة من خلال الإحساس وطريقة أداء درويش لقصائده وأداء فراس (..) ولم تكن هذه المقارنة لمصلحته ولا لمصلحة المسلسل بكل تأكيد"."اغتيال للذاكرة"
وكانت الساحة الفلسطينية شهدت نقاشاً حاداً بين مثقفين فلسطينيين وصلت إلى حد اعتصام بعضهم أمام التلفزيون الفلسطيني مطالبين بوقف عرض المسلسل.ومن بين المطالبين بوقف عرضه داخل فلسطين وخارجها شعراء وكتاب ومخرجون سينمائيون من أبرزهم المخرج والشاعر نصري حجاج والمخرج رشيد مشهراوي والكاتب زياد خداش وآخرون.وطالبت مؤسسة محمود درويش كذلك بوقف عرض المسلسل "لأنه يغتال الذاكرة الفلسطينية في أحد أبرز رموزها".ومن أبرز المطالبين في صفوف النقاد الفلسطينيين بوقف عرض المسلسل، الناقد فخري صالح، الذي أكد على ضرورة أن "تتوقف المحطات الفضائية عن بث هذه البضاعة الفاسدة"، لأن "ما قام به المسلسل هو تصوير لمحمود على غير هيئته. وفي إمكان أي شخص يعرف الرجل معرفة طفيفة أن يتبين أن ما يؤديه فراس إبراهيم في (حضرة الغياب) ليس له علاقة من قريب أو بعيد بما كان عليه درويش".وتابع: "درويش (في المسلسل) ليس حاضراً غائباً كما يشير العنوان المأخوذ من كتاب الشاعر البديع المسمى (في حضرة الغياب)، بل هو غائب تماماً بصورة فاجعة".ورفض آخرون وقف عرض المسلسل مع الاعتراف بأنه سيئ، ومن بينهم الكاتب والشاعر زكريا محمد، والشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي الذي أكد أن المسلسل "مقزز من كل النواحي، فهو مقرف وتجاري وانتهازي وركيك".وأوضح "أن دعوات المنع والمصادرة لا تليق بالإنسان الحر، وكما أدركتم أن المسلسل ساقط، ثقوا بالناس التي ستشارككم الرأي حتماً ولا تفرضوا وصايتكم عليهم".واتخذ الشاعر غسان زقطان موقفاً وسطاً على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" طالب فيه "بوقف عرض المسلسل على الشاشات الفلسطينية، لأنه من العبث أن يدفع المشاهد الفلسطيني من ضرائبه وأمواله ثمن تشويه تراثه الوطني ومن يحب المسلسل يستطيع مشاهدته على قنوات أخرى".واتضح من خلال الحلقات الست التي عرضت حتى الآن أن المسلسل يواجه مشاكل لغوية مع قصائد درويش، إلى جانب عدم قدرة الفنان فراس إبراهيم على عكس تنوع شخصية محمود درويش، لا من الناحية الجوهرية والنفسية ولا من ناحية الشكل.واستغرب فخري صالح قائلاً "ألا ينتبه مخرج بحجم نجدت أنزور، الذي أدهشنا في أعمال كثيرة، إلى عدم قدرة فراس إبراهيم على تأدية دور شخصية محمود درويش".واعتبر غالبية النقاد أن نجاح مسلسل عن سيرة شخصية معروفة رهن بالفنان الذي يؤدي الدور والكتابة والإخراج الجيدين، مشيرين إلى أن هذا المسلسل يفتقر إلى ذلك من حيث الكتابة والأداء خلافاً للمسلسل الذي تناول الشاعر العربي الكبير نزار قباني قبل سنوات قليلة.وأعاد الناقد طارق الشناوي نجاح المسلسل عن نزار قباني إلى أن "تيم الحسن استطاع تقديم شخصية نزار قباني لأنه عميق الموهبة ويجيد تمثيل الشخصيات وهذا ما جعل من مسلسل نزار قباني الأهم في شهر رمضان الذي عرض خلاله".
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire