تونس
(وات) - أعدت مجموعة من الخبراء والباحثين التونسيين، ينشطون في اطار
مباردة "افكار"، تحليلا معمقا لثمانية قطاعات حيوية لها صلة وثيقة
بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه تونس على المديين القريب
والبعيد.
وتهم هذه القطاعات "هيكلة سوق الشغل وافاق التشغيل" و"الفقر والفوارق
الاجتماعية" و"التغطية الاجتماعية والمنظومة الصحية" و"استراتيجية تطوير
المؤسسات الصغرى والمتوسطة" و"الاندماج الاقتصادي وتنمية قطاع الصناعة
والخدمات" و"التهيئة الترابية والتنمية الجهوية" و"القطاع البنكي والمالي"
و"السياسات الاقتصادية العامة والمديونية".
وكشفت الدراسة التي تم اعدادها في اطار المبادرة حول سوق الشغل عدة نقائص على مستوى هيكلة هذه السوق وسيرها.
فقد بينت الوثيقة ارتفاعا فى الطلبات الاضافية للتشغيل بنسبة بلغت 2ر143
بالمائة في موفى مارس 2011 مقارنة بنفس الفترة من سنة 2010 لتبلغ نحو 125
الف و205 طالب شغل قابلها انخفاض هام فى العروض بلغت نسبته 25ر56 بالمائة.
كما لم تتجاوز الانتدابات 2874 شخصا مقابل 10436 شخصا فى مارس 2010.
وابرز هذا التشخيص العلمي لسوق الشغل، والذي اعده محمد قريعة استاذ
الاقتصاد بالجامعة التونسية، تحسنا في المستوى التعليمي للسكان النشطين فى
تونس وارتفاع نسبة النساء الناشطات التي تطورت من 9ر18 بالمائة سنة 1975
الى 5ر25 بالمائة سنة 2008.
وبالاضافة الى ارتفاع نسبة خريجي التعليم العالي في العاطلين عن العمل
(32 بالمائة سنة 2010 مقابل 6ر1 بالمائة سنة 1994) فان هيكلة البطالة فى
تونس تتسم بعدم المساواة على مستوى النوع الاجتماعي والفئات العمرية ومستوى
التعليم ومكان الاقامة.
نحو مساهمة افضل للمؤسسة في التشغيل
وفي ما يتعلق بالمؤسسات ابرزت الدراسة "ان الامكانيات الانتاجية
المتوفرة حاليا لا تساهم بصفة ناجعة في احداث مواطن الشغل الاضافية". فدون
الاعتماد على التكنولوجيات الحديثة في القطاعات الموجودة وبروز قطاعات ذات
قدرة مضافة عالية فانه من الصعب احداث مواطن شغل لفائدة الكفاءات.
ومن هذا المنطلق يرى السيد محمد قريعة "ان مراجعة الشروط الاقتصادية
والقانونية والاجتماعية المتعلقة باحداث المؤسسات وضمان حسن ادارتها اصبحت
ضرورية خلال المرحلة المقبلة".
واضاف "لا بد من مراجعة كيفية احتساب الاعباء الاجتماعية ووضع سياسات
قادرة على حفز الاستثمار وارساء مخطط عمل ناجع لتحسين القدرة التنافسية من
خلال التخفيض في الاداءات الديوانية على واردات المؤسسات ومدخلاتها الى حد
الغائها".
وتطرح الوثيقة اشكالية هامة وهي "الصراعات الاجتماعية في تونس" التي تمثل "معضلة جدية تعوق تطور المؤسسة التونسية".
فالمؤسسة التي تنشط في مجالات ذات قيمة مضافة متدنية، تعتمد في سياساتها
التنافسية على الضغط على الكلفة وخاصة الاجور وهو ما يخلق مناخا اجتماعيا
مشحونا داخل المؤسسة يحول دون ارتقائها وخاصة في ما يتعلق بالتشغيل.
وبالتوازي مع هذه الاجراءات تقترح الوثيقة اضفاء مرونة اكبر على مجلة
الشغل حتى تكون محركا لبعث مواطن جديدة في القطاع المنظم والاسراع في اعادة
هيكلة المؤسسات.
ويقدم المشرف على هذه الدراسة، اقتراحات عملية لاضفاء نجاعة اكبر على
السياسات النشيطة للتشغيل، وهي مجموعة من الادوات الرامية الى المساعدة على
الادماج في الحياة المهنية والتكوين واعادة التاهيل. وقد بلغت كلفة هذه
الادوات حوالي 5ر1 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي سنة .2008
ولتحقيق استغلال افضل لهذه البرامج اقترحت الوثيقة ادماج ابعاد متعددة، قطاعية (المهن) وجهوية (الاولوية للتنمية الجهوية).
وشدد السيد محمد قريعة على ضرورة اجراء تشخيص دقيق لتحديد الفئات
المستهدفة داعيا في هذا الصدد الى تنسيق افضل بين الفاعلين العموميين
(وزارة التكوين المهني والتشغيل ووزارة التنمية الجهوية ووزارة المالية
...) والمهنيين والاطراف الاجتماعية والجمعيات.
دليل المهن
واوصى باعداد "دليل للمهن" يضم مصطلحات حول المهن مع تعريف واضح لكل مهنة ولمتطلباتها.
ويتمثل الهدف في تحقيق التناغم، دون اهمال لاي تفاصيل، بين حاجيات
الموءسسة من المهن ومن الشهائد من ناحية والطلبات الاضافية والمحتملة
للتشغيل مع استشراف المتطلبات المستقبلية للسوق التونسية من ناحية اخرى.
وطالب في هذا الصدد بوضع خطة عاجلة للمحافظة على مواطن الشغل الحالية
وضمان تنقل اليد العاملة عبر تشجيع الهجرة المنظمة للعمالة وخاصة المختصة
وتصدير الخدمات واستعمال وسائل العمل عن بعد لتغطية انشطة التصدير على غرار
الهندسة والاستشارة.
اصلاحات هيكلية لمنظومة الانتاج
ويدعو الخبير الاقتصادي الى اصلاح منظومة الانتاج وتنويع المنتوجات
واعتماد سياسة قطاعية تدعم القطاعات الواعدة التي تتميز بقيمة مضافة عالية
وقدرة على توفير مواطن الشغل المختصة.
ويعود استمرار البطالة، حسب الدراسة، الى التقاء عاملين هيكليين يتمثلان
في الارتفاع المتواصل لعدد اصحاب الشهائد العليا من جهة ووجود منظومة
انتاجية تغلب عليها قطاعات مشغلة ليد عاملة غير مؤهلة من جهة اخرى.
وتطالب الوثيقة بمراجعة مجلة الاستثمار واليات التمويل لحل هذا الاشكال
مشيرة الى ضرورة اطلاق عملية تقييم نوعية للنمط التنموي في تونس.
تطوير سياسات تشغيل تشاركية
ويرى الخبير الاقتصادي ضرورة القطع مع السياسات التنموية القائمة على
المركزية واستبدالها بخطة تنموية تحظي بالاجماع تضم كل الجهات وتستحضر جميع
الامكانيات بهدف ارساء تنمية شاملة ومتكاملة ومندمجة.
وتوصي الدراسة باعتماد مبدا المشاركة الفاعلة للجهات في سياسات التشغيل
المستقبلية انطلاقا من مرحلة وضع التصورات الى التصرف و تقييم الاصلاحات
وصولا الى تحديد القرارات المتخذة.
ويتعلق الامر بخلق مواطن شغل في المناطق التي ترتفع فيها نسب البطالة.
وستقوم مبادرة "افكار بوضع نتائج هذه الدراسة كاملة على موقعها على شبكة الانترنات www.idee-tunisie.com